kolonagaza5
د. علاء شماسنة
لا شك أن الثورات العربية جاءت مفاجئة لصانع القرار الغربي، بل جاءت بسرعة لم يتوقعها، وإن إسقاط الأنظمة الموالية له باتت حقيقة تقبلها بعد تهاوي النظام التونسي و من بعده المصري، فأخذ يتعامل مع هذا الواقع الجديد فهو لا يستطيع أن يقف أمام جحافل الثورة الشعبية وأمام تلاطم الأمواج العاتية التي تنادي بالحرية ودحر الفساد.
فسوريا كغيرها من بلاد المسلمين باتت تتوق إلى الحرية والإنعتاق من عبودية النظام الفاسد، فقد عاشت عقوداً طويلة تحت الظلم و الاضطهاد و القهر، فكانت شرارة الثورة التونسية ومن بعدها المصرية باعثاً جديداً وحافزاً قوياً لدحر شبح الخوف والذل الذي سيطر على قلوب الناس، فكسر الشعب الحاجز الذي يحول بينه وبين الحرية و الكرامة وانتفض الشارع معلناً ثورته على نظام دموي حكم البلاد و العباد بالقوة و الجبروت، ولم يثنه إلى الآن آلة التعذيب والقصف و الدمار وسقوط عدد كبير من الشهداء وما قامت به السلطات وشبيحته.
فالثورة للشعب السوري هدف لا حياد عنه و تطلع لا بد منه، فلا رجعة إلى الوراء لأنها تتضمن خسارة الهدف وفقدانه والرجوع إلى حياة الذل و الهوان وتصفية كل حر وشريف قام بهذه الثورة أو شارك فيها، فالشعب السوري لا يملك سوى إكمال مشواره ومواصلة تقدمه بخطى ثابتة وإن كانت بطيئة.
وفي هذه الثورة المجيدة ظهر واضحاً وعي الشعب السوري المسلم فيما يجري من أحداث وما يريد تحقيقه من أهداف كإسقاط النظام كاملاً بكل رموزه، وتجلى هذا الوعي برفضه تدويل القضية وجعل الساحة السورية مسرحًا للصراعات الغربية و التدخلات الأجنبية وإن كان هناك أصوات شاذة تنادي بالتدخل وتدويل القضية.
فإصرار هذا الشعب دون كلل أو ملل أصاب النظام السوري بالجنون و الهستيرية فاستخدم كل ما يملك من وسائل و أساليب القمع وما في جعبته من مصائب و مكائد ليلقيها على هذا الشعب الأعزل ومارس وما زال الكذب والدجل و الإعلام المفبرك المضلل لتشويه الحقائق على ارض الواقع ، فخلق واقعاً غير موجود يبني عليه نتائج معدة مسبقاً، فاختلق التفجيرات ومن يقف وراءها وراح يعزف على وتر الممانعة المزعوم ورعايته لتنظيمات إسلامية كحزب الله و حماس وأن ما يحدث الآن إنما هو مؤامرة عالمية لضرب دوره في المنطقة ولخدمة إسرائيل .
إلا أن مصيبة الشعب السوري لم تقف على هذا النظام و حده فقط بل تعدته إلى مشاركة من تسمى نفسها جامعة الدول العربية النظام بالقتل و الجريمة بحق هذا الشعب الأعزل بل إن تدخلها جاء بعد قطع بشار وزبانيته شوطاً كبيراً من القتل و الدمار والاعتقال وسيل الدماء وفشله في إخماد هذه الثورة، جاء لإعطاء النظام مزيداً من الوقت و مخرجاً يظهر فيه تعاون هذا النظام مع التحقيقات فيضفي عليه صفة البراءة من الأحداث. إن ما يجري من أحداث في سوريا واضح للعيان ليس بحاجة إلى مراقبين من أجل توثيقه فصور آلاف الشهداء من النساء والأطفال والرجال والشيوخ وما فعلته شبيحته كفيل بتحريك هذه الجامعة العربية لنصرة إخوتنا في سوريا بل كفيل بإعلان الحرب على هذه العصابة التي تفتك بالشعب المسلم وهذا يثبت عدم صدق نوايا جامعة الدول العربية وأنها تعيش في زمن الأنظمة المهترئة، وأنها تابعة للغرب وأن مسعاها هو تدويل القضية بحجة فشل دورها والسماح للتدخل الغربي في هذا البلد المسلم مع قدرتها على نصرة هذا الشعب.
فعن أي مبادرة سياسية تتحدث الجامعة ولماذا إعطاء النظام الفرصة تلو الأخرى؟! إذا كان الشعب قرر إسقاط النظام و إجتثاثه!! وعن أي مخرج سياسي تطالب به النظام وتعنته وتعسفه يزداد يوماً بعد يوم بل لم يعترف بأن من يقوم بهذه الثورة يطالبون بالحرية و الكرامة وإنما هم حثالة من الإرهابيين كما يدعي.
وما الدور السياسي الذي تلعبه حركة حماس الذي يتمثل بالقيادي خالد مشعل والشعب يرفض نهائيا الحوار مع هذا النظام الفاسد والقاتل هل بقي أحد يصدق بأن هناك دور للممانعة في قاموس هذا النظام وهل بقي أحد لم يدرك أن رعايته للتنظيمات المسلحة ما هو إلا ورقة ضغط يستخدمها كيف شاء في التوقيت الذي يريده.
نعم الوضع في سوريا معقد والأيدي الخفية التي تقف وراءه تزيده تعقيداً وتدهوراً ، فالأوضاع في سوريا تأخذ منحاً سياسياً سريعاً وخطيراً يتطلب الوعي بأهمية الأحداث و ما ستؤول إلية المنطقة.
وهذه رسالة نوجهها للشعب السوري المسلم الحر بأن الحرية والتحرر من الحكم الجبري طريقه شائك وقد يطول فهو غير مفروش بالورود فلا يضعف من همتكم سقوط آلاف الشهداء وما يفعله النظام و شبيحته فإنما النصر صبر ساعة وان من يسقط من قتلى إنما هم شهداء أًحياء عند ربهم يرزقون يحشرون مع الأنبياء و الصديقين وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فنصحه فقتله" فطوبى لهم.
فهذه ضريبة الحرية و التحرر من الحكم الجبري. فقد بشر الرسول عليه السلام بعد هذا الحكم الجبري بالخلافة الراشدة. فأنتم جند الشام فالتاريخ شاهد على صنيعكم فستكونون حماة لدولة الإسلام فاستبشروا خيراً فان الأمة في طريقها للوحدة وتحطيم قيود الذل والهزيمة ولو كره المنافقون من الأمة ولو أنفق الغربيون كل أموالهم في منع تحقيق ذلك كما قال تعالى "إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون" فوحدة المسلمين بحاجة لتضحية، فتضحياتكم هذه وتحرركم إنما هو في سبيل هذا الهدف العظيم فاصبروا واثبتوا فالنصر قادم ويرونه بعيداً و نراه قريباً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
مرحبا باقتراحاتكم